الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
هن ثلاث الأولى سجود السهو وهو سنة ليس بواجب والذي يقتضيه شيئان ترك مأمور وارتكاب منهي أما ترك المأمور فقسمان ترك ركن وغيره أما الركن فلا يكفي عنه السجود بل لابد من تداركه ثم قد يقتضي الحال السجود بعد التدارك وقد لا يقتضيه كما سيأتي إن شاء الله تعالى وأما غير الركن فأبعاض وغيرها فالأبعاض تقدم بيانها في أول صفة الصلاة وهي مجبورة بالسجود إن ترك واحدا منها سهوا قطعا وكذلك إن تركه عمدا على الأصح. وأما غير الأبعاض من السنن فلا يسجد لتركها هذا هو الصحيح المشهور المعروف ولنا قول قديم شاذ أنه يسجد لترك كل مسنون ذكرا كان أم عملا ووجهه أن من نسي التسبيح في الركوع والسجود سجد. وأما المنهي فقسمان أحدهما لا تبطل الصلاة بعمده كالالتفات والخطوة والخطوتين والثاني تبطل بعمده كالكلام والركوع الزائد ونحو ذلك فالأول أن لا يقتضي سهوه السجود والثاني يقتضيه إذا لم تبطل الصلاة وقولنا إذا لم تبطل الصلاة احتراز من كثير الفعل والأكل والكلام فإنها تبطل الصلاة بعمدها وكذلك بسهوها على الأصح فلا سجود واحتراز من الحدث أيضاً فإن عمده وسهوه يبطلان الصلاة ولا سجود. فرع الاعتدال عن الركوع ركن قصير أمر المصلي بتخفيفه فلو أطاله عمدا بالسكوت أو القنوت أو بذكر آخر ليس بركن فثلاثة أوجه أصحها عند إمام الحرمين وقطع به صاحب التهذيب تبطل صلاته إلا حيث ورد الشرع بالتطويل بالقنوت أو في صلاة التسبيح والثاني لا تبطل والثالث إن قنت عمدا في اعتداله في غير موضعه بطلت وإن طول بذكر آخر لا يقصد القنوت لم تبطل. قلت ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم طول الاعتدال جدا فالراجح دليلا جواز إطالته بالذكر والله أعلم. ولو نقل ركنا ذكريا إلى ركن طويل بأن قرأ الفاتحة أو بعضها في الركوع أو الجلوس آخر الصلاة أو قرأ التشهد أو بعضه في القيام عمدا لم تبطل صلاته على الأصح وقيل لا تبطل قطعا ويجري هذا الخلاف فيما لو نقله إلى الاعتدال ولم يطل بأن قرأ الفاتحة أو بعض التشهد فلو اجتمع المعنيان بطول الاعتدال بالفاتحة أو التشهد بطلت على الأصح وقيل قطعاً. وأما الجلوس بين السجدتين ففيه وجهان أصحهما أنه ركن قصير وبه قطع الشيخ أبو محمد وصاحب التهذيب وغيرهما والثاني طويل قاله ابن سريج والجمهور فإن قلنا بهذا فلا بأس بتطويله وإن قلنا بالأول ففي تطويله عمدا الخلاف المذكور في الاعتدال وإذا قلنا في هذه الصور ببطلان الصلاة بعمده فلو فرض ذلك سهوا سجد للسهو وإذا قلنا لا تبطل فهل يسجد للسهو وجهان أحدهما لا كسائر ما لا يبطل عمده وأصحهما يسجد وتستثنى هذه الصورة عن قولنا ما لا يبطل عمده لا يسجد لسهوه.
واجب في أركان الصلاة فإن تركه عمدا بطلت صلاته. وإن تركه سهوا لم يعتد بما فعله بعد المتروك حتى يأتي بما تركه فإن تذكر السهو قبل فعل مثل المتروك اشتغل عند التذكر بالمتروك وإن تذكر بعد فعل مثله في ركعة أخرى تمت الركعة السابقة به ولغا ما بينهما هذا حذا عرف عين المتروك وموضعه فإن لم يعرف أخذ بأدنى الممكن وأتى بالباقي وفي الأحوال كلها يسجد للسهو إلا إذا وجب الاستئناف بأن ترك ركنا وأشكل عينه وجوز أن يكون النية أو تكبيرة الاحرام وإلا إذا كان المتروك هو السلام فإنه إذا تذكر قبل طول الفصل سلم ولا حاجة إلى سجود السهو ولو تذكر في قيام الركعة الثانية أنه ترك سجدة من الأولى فلا بد من الإتيان بها عند تذكره ثم إن لم يكن جلس عقب السجدة المفعولة فهل يكفيه أن يسجد عن قيام أم لا بد أن يجلس مطمئنا ثم يسجد وجهان أصحهما الثاني فإن كان جلس عقب السجدة المفعولة وقصد به الجلسة بين السجدتين ثم غفل فقام فالمذهب أنه يكفيه السجود عن قيام وقيل على الوجهين وإن قصد بجلسته الاستراحة فالأصح أنه يكفيه السجود عن قيام ويجزئه جلسة الاستراحة عن الواجب كما لو جلس في التشهد الأخير يظنه الأول فإنه يجزئه عن الأخير. والثاني يجب الجلوس مطمئنا ولو شك هل جلس فهو كما إذا لم يجلس أما إذا تذكر بعد سجوده في الركعة الثانية تركه سجدة من الأولى فينظر إن تذكر بعد السجدتين معا أو في الثانية منهما فقد تم بما فعله ركعته الأولى ولغا ما بينهما ثم إن كان جلس في الأولى بنية الجلسة بين السجدتين أو بنية الاستراحة إذا قلنا تجزىء عن الواجب فتمامها بالسجدة الأولى وإن لم يجلس أو جلس للاستراحة وقلنا لا يجزىء فإن قلنا لو تذكر في القيام والحالة هذه يجلس ثم يسجد فتمام الركعة الأولى هنا بالسجدة الثانية وإن قلنا هناك يسجد عن قيام فتمامها بالسجدة الأولى ويبنى على هذا الخلاف ما إذا تذكر بعد السجدة الأولى في الركعة الثانية فإن قلنا بالأول فركعته غير تامة فيسجد سجدة ثم يقوم إلى ركعة ثانية. وإن قلنا بالثاني فركعته تامة فيقوم إلى ثانية. فرع لو تذكر في جلوس الركعة الرابعة أنه ترك أربع سجدات فله أحوال حال يحسب له ثلاث ركعات إلا سجدتين وحال ركعتان وحال ركعتان إلا سجدة فلو تيقن ثنتين من الثالثة وثنتين من الرابعة صحت الركعتان الأوليان وحصلت الثالثة لكن لا سجود فيها ولا فيما بعدها فيسجد سجدتين لتتم ثم يقوم إلى ركعة رابعة. وهكذا الحكم لو ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثانية وسجدتين من الرابعة وكذا لو ترك واحدة من الثانية وواحدة من الثالثة وثنتين من الرابعة. أما إذا ترك من كل ركعة سجدة فيحصل ركعتان فيتم الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة ومثله لو ترك ثنتين من الثانية وثنتين من الأولى أو الثالثة أو ثنتين من الثانية وواحدة من الأولى وأخرى من الثالثة أو ثنتين من الثانية وواحدة من الثالثة وأخرى من الرابعة أو ثنتين من الأولى وثنتين من ركعتين بعدهما غير متواليتين أو واحدة من الأولى وواحدة من الثانية وثنتين من الثالثة أو واحدة من الثانية وثنتين من الثالثة وواحدة من الرابعة فيحصل في كل هذه الصور ركعتان ويقوم فيأتي بركعتين. أما إذا ترك من الأولى واحدة ومن الثانية ثنتين ومن الرابعة واحدة أو من الأولى ثنتين ومن الثانية واحدة ومن الرابعة أخرى وكذا كل صورة ترك ثنتين من ركعة وثنتين من ركعتين غير متواليتين فيحصل ركعتان إلا سجدة فيسجدها ثم يأتي بركعتين هذا كله إذا عرف مواضع السجدات فإن لم يعرف أخذ بالأشد فيأتي بسجدة ثم ركعتين وقال الشيخ أبو محمد يلزمه سجدتان ثم ركعتان وهو غلط شاذ. هذا كله إذا كان قد جلس عقب السجدات المفعولات كلهن على قصد الجلوس بين السجدتين فأما إذا لم يجلس في بعض الركعات أو لم يجلس في غير الرابعة وقلنا بالأصح إن القيام لا يكفي عن الجلسة فلا يحسب ما بعد السجدة المفعولة إلى أن يجلس حتى لو تذكر أنه ترك من كل ركعة سجدة ولم يجلس إلا في الأخيرة أو جلس بنية الاستراحة أو جلس في الثانية بنية التشهد الأول وقلنا الفرض لا يتأدى بالنفل لم يحصل له مما فعل إلا ركعة ناقصة سجدة ثم هذا الجلوس الذي تذكر فيه يقوم مقام الجلوس بين السجدتين فيسجد ثم يقوم فيأتي بثلاث ركعات أما إذا تذكر أنه ترك سجدة من أربع ركعات فإن علم أنها من الأخيرة سجدها. واستأنف التشهد إن كان تشهد وإن علمها من غير الأخيرة أو شك لزمه ركعة وإن تذكر ترك سجدتين فإن كانتا من الركعة الاخيرة كفاه سجدتان وإن كانتا من غير الأخيرة فإن كانتا من ركعة لزمه ركعة. وإن كانتا من ركعتين فقد يكفيه ركعة بأن يكونا من ركعتين متواليتين وقد يحتاج إلى ركعتين بأن يكونا من ركعتين غير متواليتين فإن أشكل الأمر لزمه ركعتان وإن ترك ثلاث سجدات فقد يقتضي الحال حصول ثلاث ركعات إلا سجدة بأن تكون ثنتان من الأولى أو الثانية أو الثالثة وواحدة من الرابعة فيسجد سجدة ثم يقوم فيأتي بركعة وقد يقتضي حصول ثلاث إلا سجدتين بأن تكون سجدة من الأولى وثنتان من الرابعة وقد يقتضي حصول ركعتين فقط بأن يكون الثلاث وإن ترك خمس سجدات فقد تحصل ركعتان إلا سجدتين بأن تكون واحدة من الأولى وثنتان من الثانية وثنتان من الرابعة وقد يحصل ركعة فقط بأن يترك سجدة من الأولى وثنتين من الثانية وثنتين من الثالثة فإن أشكل لزمه ثلاث ركعات وقال في المهذب يلزمه سجدتان وركعتان وهو غلط ولو ترك ست سجدات حصل ركعة فقط وإن ترك سبعا حصل ركعة إلا سجدة وإن ترك ثمانيا حصل ركعة إلا سجدتين ثم هذا الحكم يطرد لو تذكر السهو في المسائل المذكورة بعد السلام ولم يطل الفصل. فإن طال وجب الاستئناف ويسجد للسهو في جميع مسائل الفصل ويمكن عدها من قسم ترك المأمور لأن الترتيب مأمور به فتركه عمدا مبطل فسهوه يقتضي السجود ومن ارتكاب المنهي لأنه إذا ترك الترتيب فقد زاد في الأفعال والأركان. فرع تقدم أن فوات التشهد الأول يقتضي سجود السهو فإذا نهض من الركعة الثانية ناسيا للتشهد أو جلس ولم يقرأ التشهد ونهض ناسيا ثم تذكر فتارة يتذكر بعد الانتصاب قائما وتارة قبله فإن كان بعده لم تجز العودة إلى القعود على الصحيح المعروف وفي وجه يجوز العود ما لم يشرع في والأولى أن لا يعود وهذا الوجه شاذ منكر فعلى الصحيح إن عاد متعمدا عالما بتحريمه بطلت صلاته وإن عاد ناسيا لم تبطل وعليه أن يقوم عند تذكره ويسجد للسهو وإن عاد جاهلا بتحريمه فالأصح أنه كالناسي والثاني كالعامد هذا حكم المنفرد. والامام في معناه فلا يرجع بعد الانتصاب ولا يجوز للمأموم أن يتخلف للتشهد فإن فعل بطلت صلاته فإن نوى مفارقته ليتشهد جاز وكان مفارقا بعذر ولو انتصب مع الإمام فعاد الإمام لم يجز للمأموم العود بل ينوي مفارقته وهل يجوز أن ينتظره قائما حملا على أنه عاد ناسيا وجهان سبق مثلهما في التنحنح. قلت فإن عاد المأموم مع الإمام عالما بالتحريم بطلت صلاته وإن عاد ناسيا أو جاهلا لم تبطل ولو قعد المأموم فانتصب الإمام ثم عاد لزمه المأموم القيام لأنه توجه عليه بانتصاب الإمام والله أعلم. ولو قعد الإمام للتشهد الاول وقام المأموم ناسيا أو نهضا فتذكر الإمام فعاد قبل الانتصاب وانتصب المأموم فثلاثة أوجه أصحها يجب على المأموم العود إلى التشهد لمتابعة الإمام فإن لم يعد بطلت صلاته صححه الشيخ أبو حامد ومتابعوه وقطع به صاحب التهذيب والثاني يحرم العود والثالث يجوز ولا يجب ولو قام المأموم قاصدا فقد قطع إمام الحرمين بأنه يحرم العود كما لو ركع قبل الإمام أو رفع رأسه قبله عمدا يحرم العود فإن عاد بطلت صلاته لأنه زاد ركنا عمدا فلو فعل ذلك سهوا بأن سمع صوتا فظن أن الإمام ركع فركع فبان أنه لم يركع فقال إمام الحرمين في جواز الركوع وجهان. وقال صاحب التهذيب وآخرون في وجوب الرجوع وجهان أحدهما يجب فإن لم يرجع بطلت صلاته والأصح أنه لا يجب بل يتخير بين الرجوع وعدمه وللنزاع في صورة قصد القيام مجال ظاهر لأن أصحابنا العراقيين أطبقوا على أنه لو ركع قبل الإمام عمدا استحب له أن يرجع إلى القيام ليركع مع الإمام فجعلوه مستحبا الحال الثاني أن يتذكر قبل الانتصاب فقال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يرجع إلى التشهد. والمراد بالانتصاب الاعتدال والاستواء هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور وفي وجه المراد به أن يصير إلى حال هي أرفع من حد أقل الركوع ثم إذا عاد قبل الانتصاب هل يسجد للسهو قولان أظهرهما لا يسجد. وقال كثير من الأصحاب منهم القفال إن صار إلى القيام أقرب منه إلى القعود ثم عاد سجد وإن كان إلى القعود أقرب أو كانت نسبته إليهما على السواء لم يسجد لأنه إذا صار إلى القيام أقرب فقد أتى بفعل يغير نظم الصلاة و لو تعمده في غير موضعه أبطل الصلاة وقال الشيخ أبو محمد وآخرون إن عاد قبل أن ينتهي إلى حد الراكعين لم يسجد وإن عاد بعد الانتهاء إليه سجد والمراد بحد الركوع أكمله لا أقله. بل لو قرب في ارتفاعه من حد أكمل الركوع ولم يبلغه فهو في حد الراكعين صرح به في النهاية وهذه العبارة مع عبارة القفال ورفقته متقاربتان والأولى أوفى بالغرض وهي أظهر من إطلاق القولين وبها قطع في التهذيب وهي كالتوسط بين القولين وحملهما على الحالين ثم جميع ما ذكرناه في الحالتين هو فيما إذا ترك التشهد الأول ونهض ناسيا فأما إذا تعمد ذلك ثم عاد قبل الانتصاب والاعتدال فإن عاد بعد ما صار إلى القيام أقرب بطلت صلاته وإن عاد قبله لم تبطل ولو كان يصلي قاعدا فافتتح القراءة بعد الركعتين فإن كان على ظن أنه فرغ من التشهد وجاء وقت الثالثة لم يعد بعد ذلك إلى قراءة التشهد على الأصح. وإن سبق لسانه إلى القراءة وهو عالم بأنه لم يتشهد فله العود إلى قراءة التشهد وترك القنوت يقاس بما ذكرناه في التشهد فإذا نسيه ثم تذكر بعد وضع الجبهة على الأرض لم يجز العود وإن كان قبله فله العود ثم إن عاد بعد بلوغه حد الراكعين سجد للسهو وإن كان قبله فلا. فرع إذا جلس في الركعة الأخيرة عن قيام ظانا أنه أتى فتشهد ثم ذكر الحال بعد التشهد لزمه تدارك السجدتين ثم إعادة التشهد ويسجد للسهو ولا يختص هذا الحكم بالركعة الأخيرة بل لو اتفق ذلك في الركعة الثانية من صلاة رباعية أو ثلاثية فكذلك يتدارك السجدتين ويعيد التشهد ويسجد للسهو في موضعه إلا أن إعادة التشهد هنا سنة ولو اتفق ذلك في ركعة لا يعقبها تشهد فإذا تذكر تدارك السجدتين وقام ثم يسجد للسهو. أما إذا جلس بعد السجدتين في الركعة الأولى أو الثالثة من الرباعية وقرأ التشهد أو بعضه ثم تذكر فيسجد للسهو لأنه زاد قعودا طويلا فلو لم يطل لم يسجد والتطويل أن يزيد على جلسة الاستراحة. أما إذا ترك السجدة الثانية وتشهد ثم تذكر فيتدارك السجدة الثانية ويعيد التشهد وهل يسجد للسهو وجهان الصحيح السجود. ولو لم يتشهد لكن طول الجلوس بين السجدتين سجد للسهو أيضاً على الأصح أما إذا جلس عن قيام ولم يتشهد ثم تذكر فيشتغل بالسجدتين وما بعدهما على ترتيب صلاته ثم إن طال جلوسه سجد للسهو وإن لم يطل بل كان في حد جلسة الاستراحة لم يسجد لأن تعمده في غير موضعه لا يبطل الصلاة بخلاف الركوع والسجود والقيام. إذا قام إلى خامسة في رباعية ناسيا ثم تذكر قبل السلام أن يعود إلى الجلوس ويسجد للسهو ويسلم سواء تذكر في قيام الخامسة أو ركوعها أو سجودها وإن تذكر بعد الجلوس فيها سجد للسهو ثم سلم وأما التشهد فإن تذكر بعد الجلوس والتشهد في الخامسة لم يعده وإن تذكر قبل التشهد في الخامسة ولم يكن تشهد في الرابعة فلا بد منه وإن تشهد في الرابعة كفاه ولم يحتج إلى إعادته على الصحيح هذا إن تشهد بنية التشهد الأخير فإن كان بنية الأول فإن قلنا إذا كان بنية الأخير يحتاج إلى إعادته فهنا أولى وإلا ففيه الخلاف في تأدي الفرض بنية النفل. قلت الأصح أنه لا يحتاج إلى إعادته وبه قطع كثيرون أو الأكثرون والله أعلم. ولو ترك الركوع ثم تذكره في السجود فهل يجب الرجوع إلى القيام ليركع منه أم يكفيه أن يقوم راكعاً وجهان لابن سريج. قلت أصحهما الأول والله أعلم.
في أبواب الفقه وهي أنا إذا تيقنا وجود شيء أو عدمه ثم شككنا في تغيره وزواله عما كان عليه فإنا نستصحب اليقين الذي كان ونطرح الشك فإذا شك في ترك مأمور ينجبر تركه بالسجود وهو الأبعاض فالأصل أنه لم يفعله فيسجد للسهو قال في التهذيب هذا إذا كان الشك في ترك مأمور معين فأما إذا شك هل ترك مأمورا أم لا فلا يسجد كما لو شك هل سها أم لا ولو شك في ارتكاب منهي كالسلام والكلام ناسيا فالأصل أنه لم يفعل ولا سجود ولو تيقن السهو وشك هل سجد له أم لا فليسجد لأن الأصل عدم السجود ولو شك هل سجد للسهو سجدة أم سجدتين سجد أخرى. قلت ولو تيقن السهو وشك هل هو ترك مأمور أو ارتكاب منهي سجد والله أعلم. ولو شك هل صلى ثلاثا أم أربعا أخذ بالأقل وأتى بالباقي وسجد للسهو ولا ينفعه الظن ولا أثر للاجتهاد في هذا الباب ولا يجوز العمل فيه بقول غيره وفي وجه شاذ أنه يجوز الرجوع إلى قول جمع كثير كانوا يرقبون صلاته وكذلك الإمام إذا قام إلى ركعة ظنها رابعة وعند القوم أنها خامسة فنبهوه لا يرجع إلى قولهم وفي وجه شاذ يرجع إن كثر عددهم واختلفوا في سبب السجود إذا شك هل صلى ثلاثا أم أربعا فقال الشيخ أبو محمد وطائفة المعتمد فيه الخبر ولا يظهر معناه واختاره إمام الحرمين والغزالي. وقال القفال والشيخ أبو علي وصاحب التهذيب وآخرون سببه التردد في الركعة التي يأتي بها هل هي رابعة أم زائدة توجب السجود وهذا التردد يقتضي الجبر بالسجود. فلو زال التردد قبل السلام وعرف أن التي يأتي بها رابعة لم يسجد على الأول وعلى الثاني يسجد وضبط أصحاب هذا الوجه صورة الشك وزواله فقالوا إن كان ما فعله من وقت عروض الشك إلى زواله ما لا بد منه على كل احتمال فلا يسجد للسهو فإن كان زائدا على بعض الاحتمالات سجد مثاله شك في قيامه في الظهر أن تلك الركعة ثالثة أم رابعة فركع وسجد على هذا الشك وهو على عزم القيام إلى ركعة أخرى أخذا باليقين ثم تذكر قبل القيام أنها ثالثة أو رابعة فلا يسجد لأن ما فعله عل الشك لا بد منه على التقديرين فإن لم يتذكر حتى قام سجد للسهو وإن تيقن أن التي قام إليها رابعة لأن احتمال الزيادة وكونها خامسة كان ثابتا حين قام. قلت ولو شك المسبوق هل أدرك ركوع الإمام أم لا فسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى لأنه لا تحسب له هذه الركعة قال الغزالي في الفتاوى فعلى هذا يسجد للسهو كما لو شك هل صلى ثلاثا أم أربعا هذا الذي قاله الغزالي ظاهر ولا يقال يتحمله عنه الإمام لأن هذا الشخص بعد سلام الإمام شاك في عدد ركعاته والله أعلم. فرع إذا شك في أثناء الصلاة في عدد الركعات أو في فعل يفعل فيجب البناء على اليقين كما تقدم وإن وقع هذا الشك بعد السلام فالمذهب أنه لا شيء عليه ولا أثر لهذا الشك وقيل فيه ثلاثة أقوال أحدها هذا والثاني يجب الأخذ باليقين فإن كان الفصل قريبا بنى وإن طال استأنف والثالث إن قرب الفصل وجب البناء وإن طال فلا شيء عليه وأما ضبط طول الفصل فيحتاج إليه هنا وفيما إذا تيقن أنه ترك ركنا وذكره بعد السلام. وفي قدره قولان أظهرهما نصه في الأم يرجع فيه إلى العرف والثاني نصه في البويطي أن الطويل ما يزيد على قدر ركعة ولنا وجه أن الطويل قدر الصلاة التي هو فيها ثم إذا جوزنا البناء فلا فرق بين أن يتكلم بعد السلام أو يخرج من المسجد ويستدبر القبلة وبين أن لا يفعل ذلك ولنا وجه ضعيف أن القدر المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفصل محتمل فإن زاد فلا والمنقول أنه صلى الله عليه وسلم قام ومضى إلى ناحية المسجد وراجع ذا اليدين وسأل الجماعة فأجابوا.
بل يكفي سجدتان في آخر الصلاة سواء تكرر نوع أو انواع قال الأئمة لا تتعدد حقيقة السجود وقد تتعدد صورته في مواضع منها المسبوق إذا سجد مع الإمام يعيد في آخر صلاته على المشهور ومنها لو سها الإمام في صلاة الجمعة فسجد للسهو ثم بان قبل السلام خروج وقت الظهر فالمشهور أنهم يتمونها ظهرا ويعيدون سجود السهو لأن الأول لم يقع في آخر الصلاة ومنها لو ظن أنه سها في صلاته فسجد للسهو ثم بان قبل السلام أنه لم يسه فالأصح أنه يسجد للسهو ثانيا لأنه زاد سجدتين سهوا والثاني لا يسجد ويكون السجود جابرا لنفسه ولغيره ومنها لو سها المسافر في الصلاة المقصورة فسجد للسهو ثم نوى الإتمام قبل السلام أو صار مقيما بانتهاء السفينة إلى دار الإقامة وجب إتمام الصلاة ويعيد السجود قطعاً. ومنها لو سجد للسهو ثم سها قبل السلام بكلام أو غيره ففي وجه يعيد السجود والأصح لا يعيده كما لو تكلم أو سلم ناسيا بين سجدتي السهو أو فيهما فإنه لا يعيده قطعا لأنه لا يؤمن وقوع مثله في المعاد فيتسلسل ولو سجد للسهو ثلاثا لم يسجد لهذا السهو. وكذا لو شك هل سجد للسهو سجدة أم سجدتين فأخذ بالأقل وسجد أخرى ثم تحقق أنه كان سجد سجدتين لم يعد السجود ومنها لو ظن سهوه بترك القنوت مثلا فسجد له فبان قبل السلام أن سهوه بغيره أعاد السجود على وجه لأنه لم يجبر ما يحتاج إلى الجبر والأصح أنه لا يعيده ولو شك هل سها أم لا فجهل وسجد للسهو أمر بالسجود ثانيا لهذه الزيادة والله أعلم.
لم يسجد ويتحمل الإمام سهوه ولو سها بعد سلام الإمام لم يتحمل لانقطاع القدوة وكذا المأموم الموافق إذا تكلم ساهيا عقب سلام الإمام وكذا المنفرد إذا سها في صلاته ثم دخل في جماعة وجوزنا ذلك فلا يتحمل الإمام سهوه ذلك أما إذا ظن المأموم أن الإمام سلم فسلم ثم بان أنه لم يسلم فسلم معه فلا سجود عليه لأنه سها في حال القدوة ولو تيقن في التشهد أنه ترك الركوع أو الفاتحة من ركعة ناسيا فإذا سلم الإمام لزمه أن يأتي بركعة أخرى ولا يسجد للسهو لأنه سها في حال الاقتداء ولو سلم الإمام فسلم المسبوق سهوا ثم تذكر بنى على صلاته وسجد لأن سهوه بعد انقطاع القدوة ولو ظن المسبوق أن الإمام سلم بأن سمع صوتا ظنه سلامه فقام ليتدارك ما عليه وكان ما عليه ركعة مثلا فأتى بها وجلس ثم علم أن الإمام لم يسلم بعد تبين أن ظنه كان خطأ فهذه الركعة غير معتد بها لأنها مفعولة في غير موضعها فإن وقت التدارك بعد انقطاع القدوة فإذا سلم الإمام قام إلى التدارك ولا يسجد للسهو لبقاء حكم القدوة. ولو كانت المسألة بحالها فسلم الإمام وهو قائم فهل يجوز له أن يمضي في صلاته أم يجب عليه أن يعود إلى القعود ثم يقوم وجهان قلت أصحهما الثاني والله أعلم. فإن جوزنا المضي فلا بد من إعادة القراءة فلو سلم الإمام في قيامه لكنه لم يعلم به حتى أتم الركعة إن جوزنا المضي فركعته محسوبة ولا يسجد للسهو وإن قلنا عليه القعود لم يحسب ويسجد للسو للزيادة بعد سلام الإمام ولو كانت المسألة بحالها وعلم في القيام أن الإمام لم يسلم بعد فقال إمام الحرمين إن رجع فهو الوجه وإن أراد أن يتمادى وينوي الانفراد قبل سلام الإمام ففيه الخلاف في قطع القدوة فإن منعناه تعين الرجوع وإن جوزناه فوجهان أحدهما يجب الرجوع لأن نهوضه غير معتد به فيرجع ثم يقطع القدوة إن شاء. والثاني لا يجب الرجوع لأن النهوض ليس مقصودا لعينه وإنما المقصود القيام فما بعده هذا كلام الإمام فلو لم يرد قطع القدوة فمقتضى كلام الإمام وجوب الرجوع وقال الغزالي هو مخير إن شاء رجع وإن شاء انتظر قائما سلام الامام. وجواز الانتظار قائما مشكل للمخالفة الظاهرة فإن كان قرأ قبل تبين الحال لم يعتد بقراءته في جميع هذه الاحوال بل عليه استئنافها. قلت الصحيح وجوب الرجوع في الحالتين والله أعلم. إذا سها الإمام في صلاته لحق سهوه المأموم ويستثنى صورتان إحداهما إذا بان الإمام محدثا فلا يسجد لسهوه ولا يتحمل عن المأموم أيضا. الثانية أن يعلم سبب سجود الإمام ويتيقن غلطه في ظنه كما إذا ظن الإمام ترك بعض الأبعاض والمأموم يعلم أنه لم يترك فلا يوافقه إذا سجد ثم إذا سجد الإمام في غير الصورتين لزم المأموم موافقته فيه فإن تركه عمدا بطلت صلاته وسواء عرف المأموم سهو الإمام أم لم يعرفه. فمتى سجد الإمام في آخر صلاته سجدتين وجب على المأموم متابعته حملا على أنه سها بخلاف ما لو قام وأتى بركعة خامسة فإنه لا يتابعه حملا على أنه ترك ركنا من ركعة لأنه لو تحقق الحال هناك لم يجز متابعته لأن المأموم أتم صلاته يقينا. قلت ولو كان المأموم مسبوقا بركعة أو شاكا في ترك ركن كالفاتحة فقام الإمام إلى الخامسة لم يجز للمأموم متابعته فيها والله أعلم. ولو لم يسجد الإمام إلا سجدة سجد المأموم أخرى حملا على أنه نسي ولو ترك الإمام السجود لسهوه سجد المأموم على الصحيح المنصوص وخرج قول أنه لا يسجد ولو سلم الإمام ثم عاد إلى السجود نظر فإن سلم المأموم معه ناسيا وافقه في السجود فإن لم يوافقه ففي بطلان صلاته وجهان بناء على الوجهين فيمن سلم ناسيا للسجود فعاد إليه هل يعود إلى حكم الصلاة وإن سلم المأموم عمدا مع علمه بالسهو لم يلزمه متابعته ولو لم يسلم المأموم فعاد الإمام ليسجد فإن عاد بعد أن سجد المأموم للسهو لم يتابعه لأنه قطع صلاته عن صلاته بالسجود وإن عاد قبل أن يسجد المأموم فالأصح أنه لا يجوز متابعته بل يسجد منفردا. والثاني يلزمه متابعته فإن لم يفعل بطلت صلاته ولو سبق الإمام حدث بعد ما سها أتم المأموم صلاته وسجد للسهو تفريعا على الصحيح المنصوص. قلت ولو سها المأموم ثم سبق الإمام حدث لم يسجد المأموم لأن الإمام حمله وإن قام الإمام إلى خامسة ساهيا فنوى المأموم مفارقته بعد بلوغ الإمام في ارتفاعه حد الراكعين سجد المأموم للسهو وإن نواها قبله فلا سجود والله أعلم. ولو كان الإمام حنفيا وجوزنا الاقتداء به فسلم قبل أن يسجد للسهو لم يسلم معه المأموم بل يسجد قبل السلام ولا ينتظر سجود الإمام لأنه فارقه بسلامه ولو كان المأموم مسبوقا وسها الإمام بعد ما لحقه وسجد في آخر صلاته لزم المسبوق أن يسجد معه على الصحيح المنصوص المعروف وعلى الشاذ لا يسجد فعلى الصحيح إذا سجد معه يعيد السجود في آخر صلاة نفسه على الأظهر فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المسبوق في آخر صلاة الإمام وهل يسجد في آخر صلاة نفسه فيه الخلاف المتقدم في المأموم الموافق إذا لم يسجد الإمام هل أحدهما لا فعلى هذا إن لم يسجد الإمام لم يسجد هو أصلا وإن سجد فالأصح أنه لا يسجد معه والثاني يسجد معه لكن لا يعيده في آخر صلاته. والوجه الثاني وهو الأصح يلحقه حكم سهوه فعلى هذا إن سجد الإمام سجد معه وهل يعيده في آخر صلاته فيه القولان وإن لم يسجد الإمام سجد هو في آخر صلاته على الصحيح المنصوص وإذا قلنا المسبوق يعيد السجود في آخر صلاته فاقتدى به بعد انفراده مسبوق آخر وبالآخر آخر فكل واحد منهم يسجد لمتابعته إمامه ثم يسجد في آخر صلاة نفسه ولو سها المسبوق في تداركه فإن قلنا لا يسجد لسهو الإمام في آخر صلاة نفسه سجد لسهوه سجدتين وإن قلنا يسجد لسهو الإمام في آخرها فكم يسجد وجهان أصحهما سجدتان. والثاني أربع ولو انفرد المصلي بركعة من رباعية وسها فيها ثم اقتدى بمسافر وجوزنا الاقتداء في أثناء الصلاة وسها إمامه ثم قام إلى الرابعة وسها فيها فكم يسجد في آخر صلاته فيه أوجه الأصح سجدتان. والثاني أربع والثالث ست فإن كان سجد الإمام فلا بد أن يسجد معه فيكون قد أتى في صلاته بثمان سجدات للسهو على الوجه الثالث وكذا المسبوق إذا اقتدى بمسافر وسها الإمام وسجد معه المسبوق ثم صار الإمام متما قبل أن يسلم فأتم وأعاد سجود السهو وأعاد معه المسبوق ثم قام إلى الرابعة وسها فيها وقلنا يسجد أربع سجدات فقد أتى بثماني سجدات فإن سها بعدها بكلام أو غيره وفرعنا على أنه إذا سها بعد سجود السهو يسجد صارت السجدات عشرا وقد يزيد عدد السجود على هذا تفريعا على الوجوه الضعيفة. قلت إذا قلنا يسجد سجدتين للجميع فهل هما عن سهوه في انفراده وسهو إمامه أم عن سهو إمامه فقط أم عن سهوه فقط فيه ثلاثة أوجه حكاها صاحب البيان الصحيح المشهور الأول فإن قلنا عن أحدهما فقط فنوى الآخر عالما بطلت صلاته وإن قلنا عنهما فنوى أحدهما لم تبطل لكنه تارك لسجود الأخير والله أعلم.
أما كيفيته فهو سجدتان بينهما جلسة يسن في هيئتها الافتراش وبعدهما إلى أن يسلم يتورك وكتب الأصحاب ساكتة عن الذكر فيهما وذلك يشعر بأن المحبوب فيها هو المحبوب في سجدات صلب الصلاة كسائر ما سكتوا عنه من واجبات السجود ومحبوباته وهذا لائق بالحال وفي محله ثلاثة أقوال أظهرها قبل السلام. والثاني إن سها بزيادة سجد بعد السلام وإن سها بنقص سجد قبله. والثالث أنه يتخير إن شاء قبله وإن شاء بعده والأول هو الجديد والآخران قديمان ثم هذا الخلاف في الإجزاء على المذهب وقيل في الأفضل. ثم إذا قلنا قبل السلام فسلم قبل أن يسجد نظر فإن سلم عامدا فوجهان الأصح أنه فوت السجود والثاني إن قصر الفصل سجد وإلا فلا وإذا سجد فلا يكون عائدا إلى الصلاة بلا خلاف بخلاف ما إذا سلم ناسيا وسجد فإن فيه خلافا وإن سلم ناسيا وطال الزمان فقولان الجديد الأظهر لا يسجد والقديم يسجد وإن لم يطل وتذكر على قرب فإن بدا له أن لا يسجد فذاك والصلاة ماضية على الصحة وحصل التحلل بالسلام على الصحيح. وفي وجه يسلم مرة أخرى وذلك السلام غير معتد به وإن أراد أن يسجد فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه يسجد والثاني لا يسجد وإذا قلنا بالصحيح هنا أو بالقديم عند طول الفصل فسجد فهل يكون عائدا إلى حكم الصلاة وجهان. أرجحهما عند صاحب التهذيب لا يكون عائدا وأرجحهما عند الأكثرين يكون عائدا ويتفرع: على الوجهين مسائل منها لو تكلم عامدا أو أحدث في السجود بطلت صلاته على الوجه الثاني ولا تبطل على الأول ومنها لو كان السهو في صلاة جمعة وخرج الوقت وهو في السجود فاتت الجمعة على الوجه الثاني دون الأول. ومنها لو كان مسافرا يقصر ونوى الإتمام في السجود لزمه الإتمام على الوجه الثاني دون الأول ومنها هل يكبر للافتتاح وهل يتشهد إن قلنا بالوجه الثاني لم يكبر ولم يتشهد وإن قلنا بالأول كبر وفي التشهد وجهان أصحهما لا يتشهد. وقال في التهذيب والصحيح أنه يسلم سواء قلنا بتشهد أم لا وأما حد طول الفصل ففيه الخلاف المتقدم فيمن ترك ركنا ناسيا ثم تذكر بعد السلام أو شك فيه والأصح الرجوع إلى العرف وحاول إمام الحرمين ضبط العرف فقال إذا مضى زمن يغلب على الظن أنه أضرب عن السجود قصدا أو نسيانا فهذا طويل وإلا فقصير. قال وهذا إذا لم يفارق المجلس فإن فارق ثم تذكر على قرب الزمان ففيه احتمال عندي لأن الزمان قريب لكن مفارقته المجلس تغلب على الظن الاضراب عن السجود قال ولو سلم وأحدث ثم انغمس في ماء على قرب الزمان فالظاهر أن الحدث فاصل وإن لم يطل الزمان وقد نقل قول للشافعي رحمه الله أن الاعتبار في الفصل بالمجلس. والذي اعتمده الأصحاب العرف قالوا ولا تضر مفارقة المجلس واستدبار القبلة هذا كله تفريع على قولنا سجود السهو قبل السلام أما إذا قلنا بعده فينبغي أن يسجد على قرب فإن طال الفصل عاد الخلاف وإذا سجد فلا يحكم بالعود إلى الصلاة بلا خلاف وهل يتحرم للسجدتين ويتشهد ويسلم قال إمام الحرمين حكمه حكم سجود التلاوة ثم إذا رأينا التشهد فوجهان وقيل قولان الصحيح المشهور أن يتشهد بعد السجدتين كسجود التلاوة. والثاني يتشهد قبلهما ليليهما السلام. قلت هذه مسائل منثورة من الباب منها أن السهو في صلاة النفل كالفرض على المذهب وقيل طريقان الجديد كذلك وفي القديم قولان أحدهما كذلك والثاني لا يسجد حكاه القاضي أبو الطيب وصاحبا الشامل و المهذب ولو سلم من صلاة وأحرم بأخرى ثم تيقن أنه ترك ركنا من الأولى لم تنعقد الثانية. وأما الأولى فإن قصر الفصل بني عليها وإن طال وجب استئنافها ولو جلس للتشهد في الرباعية وشك هل هو التشهد الأول أم الثاني فتشهد شاكا ثم قام فبان الحال سجد للسهو سواء بان أنه الأول أو الآخر لأنه وإن بان الأول فقد قام شاكا في زيادة هذا القيام. وإن بان الحال وهو بعد في التشهد الأول فلا سجود ولو نوى المسافر القصر وصلى أربع ركعات ناسيا ونسي في كل ركعة سجدة حصلت له الركعتان ويسجد للسهو وقد تمت صلاته فيسلم ولا يلزمه الاتمام لأنه لم ينوه. وكذا لو صلى الجمعة أربعا ناسيا ونسي من كل ركعة سجدة سجد للسهو وسلم ولو سها سهوين أحدهما بزيادة والآخر بنقص وقلنا يسجد للزيادة بعد السلام وللنقص قبله سجد هنا قبله على الأصح وبه قطع المتولي والثاني بعده. وبه قطع البندنيجي قال وكذا الزيادة المتوهمة كمن شك في عدد الركعات ولو أراد القنوت في غير الصبح لنازلة والعياذ بالله تعالى وقلنا به فنسيه لم يسجد للسهو على الأصح ذكره في البحر. ولو دخل في صلاة ثم ظن أنه ما كبر للاحرام فاستأنف التكبير والصلاة ثم علم أنه كان كبر أولا فإن علم بعد فراغه من الصلاة الثانية لم يفسد الأولى وتمت بالثانية وإن علم قبل فراغ الثانية عاد إلى الأولى فأكملها وسجد للسهو في الحالين. نقله في البحر عن نص الشافعي وغيره والله أعلم. السجدة الثانية سجدة التلاوة وهي سنة وعدد السجدات أربع عشرة على الجديد الصحيح ليس منها ص ومنها سجدتان في الحج وثلاث في المفصل وقال في القديم إحدى عشرة أسقط سجدات المفصل ولنا وجه أن السجدات خمس عشرة ضم إليها سجدة ص وهذا قول ابن سريج والصحيح المنصوص المعروف أنها ليست من عزائم السجود وإنما هي سجدة شكر فإن سجد فيها خارج الصلاة فحسن قلت قال أصحابنا يستحب أن يسجد في ص خارج الصلاة وهو مراد الإمام الرافعي بقوله حسن والله أعلم. ولو سجد في ص في الصلاة جاهلا أو ناسيا لم تبطل صلاته وإن كان عامدا بطلت على الأصح. قلت ويسجد للسهو الناسي والجاهل والله أعلم. ولو سجد إمامه في ص لكونه يعتقدها لم يتابعه بل يفارقه أو ينتظره قائما وإذا انتظره قائما فهل يسجد للسهو وجهان. قلت الأصح لا يسجد لأن المأموم لا سجود لسهوه ووجه السجود انه يعتقد أن إمامه زاد في صلاته جاهلا وحكى صاحب البحر وجها أنه يتابع الإمام في سجود " ص " والله أعلم. ومواضع السجدات بينة لا خلاف فيها إلا التي في حم السجدة فالأصح أنها عقب لا يسأمون والثاني عقب إن كنتم إياه تعبدون. فرع يسن السجود للقارىء والمستمع له سواء كان القارىء في الصلاة وفي وجه شاذ لا يسجد المستمع لقراءة من في الصلاة ويسن للمستمع إلى قراءة المحدث والصبي والكافر على الأصح وسواء سجد القارىء أم لم يسجد يسن للمستمع السجود لكنه إذا سجد كان آكد هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور. وقال الصيدلاني لا يسن له السجود إذا لم يسجد القارىء واختاره إمام الحرمين وأما الذي لا يستمع بل يسمع عن غير قصد ففيه أوجه الصحيح المنصوص أنه يستحب له ولا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع والثاني أنه كالمستمع والثالث لا يسن له السجود أصلا. أما المصلي فإن كان منفردا سجد لقراءة نفسه فلو لم يسجد فركع ثم بدا له أن يسجد لم يجز فلو كان قبل بلوغه حد الراكعين جاز ولو هوى لسجود التلاوة ثم بدا له فرجع جاز كما لو قرأ بعض التشهد الأول ولم يتممه فإنه يجوز ولو أصغى المنفرد بالصلاة لقراءة قارىء في الصلاة أو غيرها لم يسجد لأنه ممنوع من الاصغاء فإن سجد بطلت صلاته وإن كان المصلي إماما فهو كالمنفرد فيما ذكرناه. ولا يكره له قراءة آية لسجدة لا في الصلاة الجهرية ولا في السرية وإذا سجد الإمام سجد المأموم فلو لم يفعل بطلت صلاته وإذا لم يسجد الإمام لم يسجد المأموم. ولو فعل بطلت صلاته ويحسن القضاء إذا فرغ ولا يتأكد ولو سجد الإمام ولم يعلم المأموم حتى رفع الإمام رأسه من السجود لم يسجد وإن علم وهو بعد في السجود سجد وإن كان المأموم في الهوي ورفع الإمام رأسه رجع معه ولم يسجد وكذا الضعيف الذي هوى مع الإمام لسجود التلاوة فرفع الإمام رأسه قبل انتهائه إلى الأرض لبطء حركته يرجع معه ولا يسجد أما إذا كان المصلي مأموما فلا يسجد لقراءة نفسه بل يكره له قراءة السجدة ولا يسجد لقراءة غير الإمام بل يكره له الاصغاء إليها ولو سجد لقراءة نفسه أو قراءة غير إمامه بطلت صلاته فرع إذا قرأ آيات السجدات في مكان واحد سجد لكل واحدة فلو الواحدة في المجلس الواحد نظر إن لم يسجد للمرة الأولى كفاه سجود واحد وإن سجد للأولى فثلاثة أوجه الأصح يسجد مرة أخرى لتجدد السبب والثاني يكفيه الأولى والثالث إن طال الفصل سجد أخرى وإلا فتكفيه الأولى ولو كرر الآية الواحدة في الصلاة فإن كان في ركعة فكالمجلس الواحد وإن كان في ركعتين فكالمجلسين ولو قرأ مرة في الصلاة ومرة خارجها في المجلس الواحد وسجد للأولى فلم أر فيه نصا للأصحاب وإطلاقهم يقتضي طرد الخلاف فيه. أما شروطه فيفتقر إلى شروط الصلاة كطهارة الحدث والنجس وستر العورة واستقبال القبلة وغيرها بلا خلاف وأما كيفيته فله حالان حال في غير الصلاة وحال فيها فالأول ينوي ويكبر للافتتاح ويرفع يديه في هذه التكبيرة حذو منكبيه كما يفعل في تكبيرة الافتتاح في الصلاة ثم يكبر أخرى للهوي من غير رفع اليد ثم تكبير الهوي مستحب ليس بشرط وفي تكبيرة الافتتاح أوجه أصحها أنها شرط والثاني مستحبة والثالث لا تشرع أصلا قاله أبو جعفر الترمذي وهو شاذ منكر قلت قد قاله أيضاً صاحب التهذيب و التتمة وأنكره إمام الحرمين وغيره قال الإمام ولم أر لهذا ذكرا ولا أصلا وهذا الذي قاله الإمام هو الاصوب فلم يذكر جمهور أصحابنا هذا القيام ولا ثبت فيه شيء مما يحتج به فالاختيار تركه والله أعلم. ويستحب أن يقول في سجوده سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته وأن يقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وضع عني بها وزرا واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود عليه السلام ولو قال ما يقول في سجود صلاته جاز ثم يرفع رأسه مكبرا كما يرفع من سجود الصلاة وهل يشترط السلام فيه قولان أظهرهما يشترط فعلى هذا في اشتراط التشهد وجهان الأصح لا يشترط ومن الأصحاب من وإذا قلنا التشهد ليس بشرط فهل يستحب وجهان حكاهما في النهاية. قلت الأصح لا يستحب والله أعلم. الحال الثاني أن يسجد للتلاوة في الصلاة فلا يكبر للافتتاح لكن يستحب التكبير للهوي إلى السجود من غير رفع اليدين فكذا يكبر عند رفع الرأس كما يفعل في سجدات الصلاة ولنا وجه شاذ أنه لا يكبر للهوي ولا للرفع قاله ابن أبي هريرة ويستحب أن يقول في سجوده ما قدمناه وإذا رفع رأسه قام ولا يجلس للاستراحة ويستحب أن يقرأ شيئا ثم يركع ولا بد من انتصابه قائما ثم يركع. فإن الهوي من قيام واجب
أو استماعها فإن أخر وقصر الفصل سجد وإن طال فاتت وهل تقضى قولان حكاهما صاحب التقريب أظهرهما وبه قطع الصيدلاني وآخرون لا تقضى لأنها لعارض فأشبهت صلاة الكسوف وضبط طول الفصل يؤخذ مما تقدم في سجود السهو. ولو كان القارىء أو المستمع محدثا عند التلاوة فإن تطهر على قرب سجد وإلا فالقضاء على الخلاف ولو كان يصلي فقرأ قارىء آية سجدة فإذا فرغ من صلاته هل يقضي سجود التلاوة المذهب أنه لا يقضيه وبه قطع الشاشي وغيره واختاره إمام الحرمين لأن قراءة غير إمامه لا تقتضي سجوده وإذا لم نجز ما يقتضي السجود أداء فالقضاء بعيد. وقال صاحب التقريب وفيه القولان المتقدمان وقال صاحب التهذيب يحسن أن يقضي ولا يتأكد كما يجيب المؤذن إذا فرغ من الصلاة. قلت إذا قرأ السجدة في الصلاة قبل الفاتحة سجد بخلاف ما لو قرأها في الركوع أو السجود فإنه لا يسجد ولو قرأ السجدة فهوى ليسجد فشك هل قرأ الفاتحة فإنه يسجد للتلاوة ثم يعود إلى القيام فيقرأ الفاتحة ولو قرأ خارج الصلاة السجدة بالفارسية لا يسجد عندنا وإذا سجد المستمع مع القارىء لا يرتبط به ولا ينوي الاقتداء به وله الرفع من السجود قبله ولو أراد أن يقرأ آية أو آيتين فيهما سجدة ليسجد فلم أر فيه كلاما لأصحابنا وفي كراهته خلاف للسلف أوضحته في كتاب آداب القرآن ومقتضى مذهبنا أنه إن كان في غير الوقت المنهي عن الصلاة فيه وفي غير الصلاة لم يكره. وإن كان في الصلاة أو في وقت كراهتها ففيه الوجهان فيمن دخل المسجد في هذه الأوقات لا لغرض سوى صلاة التحية والأصح أنه يكره له الصلاة هذا إذا لم يتعلق بالقراءة المذكورة غرض سوى السجود فإن تعلق فلا كراهة مطلقا قطعا ولو قرأ آية السجدة في الصلاة فلم يسجد وسلم يستحب أن يسجد ما لم يطل الفصل. فإن طال ففيه الخلاف المتقدم ولو سجد للتلاوة قبل بلوغ السجدة ولو بحرف لم يصح سجوده ولو قرأ بعد السجدة آيات ثم سجد جاز ما لم يطل الفصل ولو قرأ سجدة فسجد فقرأ في سجوده سجدة أخرى لا يسجد ثانيا على الصحيح المعروف. وفيه وجه شاذ حكاه في البحر أنه يسجد قال صاحب البحر إذا قرأ الإمام السجدة في صلاة سرية استحب تأخير السجود إلى فراغه من الصلاة قال وقد استحب أصحابنا للخطيب إذا قرأ سجدة أن يترك السجود لما فيه من كلفة النزول عن المنبر والصعود قال ولو قرأ السجدة في صلاة الجنازة لم يسجد فيها وهل يسجد بعد الفراغ وجهان أصحهما لا يسجد وأصلهما أن القراءة التي لا تشرع هل يسجد لتلاوتها وجهان والله أعلم. السجدة الثالثة سجدة الشكر سجود الشكر سنة عند مفاجأة نعمة أو اندفاع نقمة من حيث لا يحتسب وكذا إذا رأى مبتلى ببلية أو بمعصية ولا يسن عند استمرار النعم وإذا سجد لنعمة أو اندفاع بلية لا تتعلق بغيره استحب إظهار السجود وإن سجد لبلية في غيره وصاحب البلية غير معذور كالفاسق أظهر السجود بين يديه لعله يتوب وإن كان معذورا كصاحب الزمانة أخفاه لئلا يتأذى ويفتقد سجود الشكر إلى شروط الصلاة وكيفيته ككيفية سجود التلاوة خارج الصلاة ولا يجوز سجود الشكر في الصلاة بحال. قلت قال أصحابنا لو سجد في الصلاة للشكر بطلت صلاته فلو قرأ آية سجدة ليسجد بها للشكر ففي جواز السجود وجهان في الشامل و البيان أصحهما يحرم وتبطل صلاته وهما كالوجهين فيمن دخل المسجد في وقت النهي ليصلي التحية والله أعلم. فرع في جواز سجود الشكر على الراحلة بالايماء في جواز سجود الشكر على الراحلة بالإيماء وجهان كالتنفل مضطجعا مع القدرة ولو سجد للتلاوة على الراحلة إن كان في صلاة نافلة جاز قطعا تبعا لها وإلا فعلى الوجهين في سجدة الشكر أصحهما الجواز فيهما وبه قطع صاحب التهذيب والعدة والخلاف فيمن اقتصر على الايماء فإن كان في مرقد وأتم السجود جاز قطعاً. وأما الماشي في السفر فيسجد على الأرض على الصحيح كسجود صلاة النفل. قلت قال في التهذيب لو تصدق صاحب هذه النعمة أو صلى شكرا فحسن والله أعلم. لو خضع إنسان لله تعالى فتقرب بسجدة من غير سبب حرام كالتقرب بركوع مفرد ونحوه وصححه إمام الحرمين والغزالي وغيرهما وقطع به الشيخ أبو محمد والثاني يجوز قاله صاحب التقريب قال وإذا فاتت سجدة الشكر ففي قضائها الخلاف في قضاء النوافل الراتبة وقطع غيره بعدم القضاء. قلت وسواء في هذا الخلاف في تحريم السجدة ما يفعل بعد صلاة وغيره وليس من هذا ما يفعله كثيرون من الجهلة الضالين من السجود بين يدي المشايخ فإن ذلك حرام قطعا بكل حال سواء كان إلى القبلة أو غيرها وسواء قصد السجود لله تعالى أو غفل وفي بعض صوره ما يقتضي الكفر عافانا الله تعالى والله أعلم.
اختلف اصطلاح الأصحاب في تطوع الصلاة فمنهم من يفسره بما لم يرد فيه نقل بخصوصيته بل ينشؤه الإنسان ابتداء وهؤلاء قالوا ما عدا الفرائض ثلاثة أقسام سنن وهي التي واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستحبات وهي التي فعلها أحيانا ولم يواظب عليها وتطوعات وهي التي ذكرنا ومنهم من يرادف بين لفظي النافلة والتطوع ويطلقهما على ما سوى الفرائض قلت ومن أصحابنا من يقول السنة والمستحب والمندوب والتطوع والنفل والمرغب فيه والحسن كلها بمعنى واحد وهو ما رجح الشرع فعله على تركه وجاز تركه والله أعلم. واختلف أصحابنا في الرواتب ما هي فقيل هي النوافل الموقتة بوقت مخصوص وعد منها التراويح وصلاة العيدين والضحى وقيل هي السنن التابعة للفرائض واعلم أن ما سوى فرائض الصلاة قسمان ما يسن له الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء ولها أبواب معروفة وما لا يسن فيه الجماعة وهي رواتب مع الفرائض وغيرها فأما الرواتب فالوتر وغيره وأما غر الوتر فاختلف الأصحاب في عددها فقال الأكثرون عشر ركعات ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء ومنهم من نقص ركعتي العشاء نص عليه في البويطي وبه قال الخضري ومنهم من زاد على العشر ركعتين آخريين قبل الظهر ومنهم من زاد على هذا أربعا قبل العصر ومنهم من زاد على هذا آخريين بعد الظهر. فهذه خمسة أوجه لأصحابنا وليس خلافهم في أصل الاستحباب بل إن المؤكد من الرواتب ماذا مع أن الاستحباب يشمل الجميع ولهذا قال صاحب المهذب وجماعة أدنى الكمال عشر ركعات وهو وجه الأول وأتم الكمال ثماني عشرة ركعة وهو الوجه الخامس وفي استحباب ركعتين قبل قلت الصحيح استحبابهما ففي مواضع من صحيح البخاري عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء والله أعلم.
ويحصل بركعة وبثلاث وبخمس وبسبع وبتسع وبإحدى عشرة فهذا أكثره على الأصح وعلى الثاني أكثره ثلاث عشرة ولا يجوز الزيادة على أكثره على الأصح فإن زاد لم يصح وتره وإذا زاد على ركعة فأوتر بثلاث فأكثر موصولة فالصحيح أن له أن يتشهد تشهدا واحدا في الأخيرة وله تشهد آخر في التي قبلها وفي وجه لا يجزىء الاقتصار على تشهد واحد وفي وجه لا يجوز لمن أوتر بثلاث أن يتشهد تشهدين بتسليمة فإن فعل بطلت صلاته بل يقتصر على تشهد أو يسلم في التشهدين وهذان الوجهان منكران والصواب جواز ذلك كله ولكن هل الأفضل تشهد أم تشهدان فيه أوجه أرجحها عند الروياني تشهد والثاني تشهدان والثالث هما في الفضيلة سواء أما إذا زاد على تشهدين وجلس في كل ركعتين والثاني يجوز كنافلة كثيرة الركعات أما إذا أراد الإيتار بثلاث ركعات فهل الأفضل فصلها بسلامين أم وصلها بسلام فيه أوجه أصحها الفصل أفضل والثاني الوصل والثالث إن كان منفردا فالفصل وإن صلاها بجماعة فالوصل والرابع عكسه وهل الثلاث الموصولة أفضل من ركعة فردة فيه أوجه الصحيح أن الثلاث أفضل والثاني الفردة قال في النهاية وغلا هذا القائل فقال الفردة أفضل من إحدى عشرة ركعة موصولة والثالث إن كان منفردا فالفردة وإن كان إماما فالثلاث الموصولة. فرع في وقت الوتر في وقت الوتر وجهان الصحيح أنه من حين يصلي العشاء إلى طلوع الفجر فإن أوتر قبل فعل العشاء لم يصح وتره سواء تعمد أو سها وظن أنه صلى العشاء أو صلاها ظانا أنه متطهر ثم أحدث فتوضأ وصلى الوتر ثم بان أنه كان محدثا في العشاء فوتره باطل والوجه الثاني يدخل وقت الوتر بدخول وقت العشاء وله أن يصليه قبلها ولو صلى العشاء ثم أوتر بركعة قبل أن يتنفل صح وتره على الصحيح وقيل لا يصح حتى يتقدمه نافلة فإذا لم يصح وترا كان تطوعا كذا قاله إمام الحرمين وينبغي أن يكون على الخلاف فيمن صلى الظهر قبل الزوال غالطا هل تبطل صلاته أم تكون نفلا والمستحب أن يكون الوتر آخر صلاة الليل فإن كان لا تهجد له فينبغي أن يوتر بعد فريضة العشاء وراتبتها ويكون وتره آخر صلاة الليل وإن كان له تهجد فالأفضل أن يؤخر الوتر كذا قاله العراقيون وقال إمام الحرمين والغزالي اختار الشافعي رحمه الله تقديم الوتر. فيجوز أن يحمل نقلهما على من لا يعتاد قيام الليل ويجوز أن يحمل على اختلاف قول أو وجه والأمر فيه قريب وكل شائع وإذا أوتر قبل أن ينام ثم قام وتهجد لم يعد الوتر على الصحيح المعروف وفي وجه شاذ يصلي في أول قيامه ركعة يشفعه ثم يتهجد ما شاء ثم يوتر ثانيا ويسمى هذا نقض الوتر. والصحيح المنصوص في الأم و المختصر أن الوتر يسمى تهجدا وقيل الوتر غير التهجد. فرع إذا استحببنا الجماعة في التراويح يستحب الجماعة أيضاً في الوتر بعدها وأما في غير رمضان فالمذهب أنه لا يستحب فيه الجماعة وقيل في استحبابها وجهان مطلقا حكاه أبو الفضل بن عبدان. يستحب القنوت في الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان فإن بركعة قنت فيها وإن أوتر بأكثر قنت في الأخيرة ولنا وجه أنه يقنت في جميع رمضان ووجه أنه يقنت في جميع السنة قاله أربعة من أئمة أصحابنا أبو عبد الله الزبيري وأبو الوليد النيسابوري وأبو الفضل بن عبدان وأبو منصور بن مهران والصحيح اختصاص الاستحباب بالنصف الثاني من رمضان وده قال جمهور الأصحاب وظاهر نص الشافعي رحمه الله كراهة القنوت في غير هذا النصف. ولو ترك القنوت في موضع نستحبه سجد للسهو ولو قنت في غير النصف الأخير من رمضان وقلنا لا يستحب سجد للسهو وحكى الروياني وجها أنه يجوز القنوت في جميع السنة بلا كراهة ولا يسجد للسهو بتركه في غير النصف قال وهذا اختيار مشايخ طبرستان واستحسنه وفي موضع القنوت في الوتر أوجه أصحها بعد الركوع ونص عليه في سنن حرملة والثاني قبل الركوع قاله ابن سريج والثالث يتخير بينهما وإذا قدمه فالأصح أنه يقنت بلا تكبير والثاني يكبر بعد القراءة ثم يقنت ولفظ القنوت هو ما تقدم في قنوت الصبح واستحب الأصحاب أن يضم إليه قنوت عمر رضي الله عنه اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك مننفجرك. اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم وهل الأفضل أن يقدم قنوت عمر على قنوت الصبح أم يؤخره وجهان قال الروياني يقدمه وعليه العمل ونقل القاضي أبو الطيب عن شيوخهم تأخيره. قلت الأصح تأخيره لأن قنوت الصبح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر وينبغي أن يقول اللهم عذب الكفرة للحاجة إلى التعميم في أزماننا والله أعلم. قال الروياني قال ابن القاص يزيد في القنوت ربنا لا تؤاخذنا إلى آخر السورة واستحسنه وحكم الجهر بالقنوت ورفع اليدين وغيرهما على ما تقدم في الصبح ويستحب لمن أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة في الأولى سبح وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين. اعلم أن أفضل النوافل مطلقا العيدان ثم الكسوفان ثم الاستسقاء وأما التراويح فإن قلنا لا يسن فيها الجماعة فالرواتب أفضل منها وإن قلنا يسن فيها فكذلك على الأصح والثاني التراويح أفضل. قلت كسوف الشمس أفضل من خسوف القمر ذكره الماوردي وغيره والله أعلم.
ومن التطوع الذي لا يسن له الجماعة صلاة الضحى وأقلها ركعتان وأفضلها ثمان وأكثرها اثنا عشر ويسلم من كل ركعتين ووقتها من حين ترتفع الشمس إلى الاستواء قلت قال أصحابنا وقت الضحى من طلوع الشمس ويستحب تأخيرها إلى ارتفاعها قال الماوردي ووقتها المختار إذا مضى ربع النهار والله أعلم. ومنه تحية المسجد بركعتين ولو صلى الداخل فريضة أو وردا أو سنة ونوى التحية معها حصلا جميعا وكذا إن لم ينوها ويجوز أن يطرد فيه الخلاف المذكور فيمن نوى غسل الجنابة هل يحصل له الجمعة والعيد إذا لم ينوهما ولو صلى الداخل على جنازة أو سجد لتلاوة أو شكر أو صلى ركعة واحدة لم يحصل التحية على الصحيح. قلت ومن تكرر دخوله المسجد في الساعة الواحدة مرارا قال المحاملي في كتابه اللباب أرجو أن يجزئه التحية مرة وقال صاحب التتمة لو تكرر دخوله يستحب التحية كل مرة وهو الأصح قال المحاملي وتكره التحية في حالين أحدهما إذا دخل والإمام في المكتوبة. والثاني إذا دخل المسجد الحرام فلا يشتغل بها عن الطواف ومما يحتاج إلى معرفته أنه لو جلس في المسجد قبل التحية وطال الفصل لم يأت بها كما سيأتي أنه لا يشرع قضاؤها وإن لم يطل فالذي قاله الاصحاب أنها تفوت بالجلوس فلا يفعلها وذكر الإمام أبو الفضل بن عبدان في كتابه المصنف في العبادات أنه لو نسي التحية وجلس فذكر بعد ساعة صلاها وهذا غريب وفي صحيح البخاري و مسلم ما يؤيده في حديث الداخل يوم الجمعة والله أعلم. ومنه ركعتا الاحرام وركعتا الطواف إذا لم نوجبهما. قلت ومنه ركعتان عقب الوضوء ينوي بهما سنة الوضوء ومنه سنة الجمعة قبلها أربع ركعات وبعدها أربع كذا قاله ابن القاص في المفتاح وآخرون ويحصل أيضاً بركعتين قبلها وركعتين بعدها والعمدة فيما بعدها حديث صحيح مسلم وإذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعا وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعدها ركعتين وأما قبلها فالعمدة فيه القياس على الظهر ويستأنس فيه بحديث سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبلها أربعا وإسناده ضعيف جدا ومنه ركعتا الاستخارة ثبت في صحيح البخاري ومنه ركعتا صلاة الحاجة والله أعلم.
أوكد ما لا تسن له الجماعة السنن الرواتب وأفضل الرواتب الوتر وركعتا الفجر وأفضلهما الوتر على الجديد الصحيح والقديم سنة الفجر وفي وه هما سواء فإذا قلنا بالجديد فالصحيح الذي عليه الجمهور أن سنة الفجر تلي الوتر في الفضيلة وفي وجه قاله أبو إسحق أن صلاة الليل تقدم على سنة الفجر قلت هذا الوجه قوي ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل وفي رواية الصلاة في جوف الليل والله أعلم. ثم أفضل الصلوات بعد الرواتب المذكورة الضحى ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف وركعتي الإحرام وتحية المسجد.
قلت فلو صلى أربعا بتسليمة لم يصح ذكره القاضي حسين في الفتاوى لأنه خلاف المشروع وينوي التراويح أو قيام رمضان ولا يصح بنية مطلقة بل ينوي ركعتين من التراويح في كل تسليمة والله أعلم. قال الشافعي رحمه الله ورأيت أهل المدينة يقومون بتسع وثلاثين منها ثلاث للوتر قال أصحابنا ليس لغير أهل المدينة ذلك والأفضل في التراويح الجماعة على الأصح وقيل الأظهر وبه قال الأكثرون والثاني الانفراد أفضل ثم قال العراقيون والصيدلاني وغيرهم الخلاف فيمن يحفظ القرآن ولا يخاف الكسل عنها ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه فإن فقد بعض هذا فالجماعة أفضل قطعا وأطلق جماعة ثلاثة أوجه ثالثها هذا الفرق ويدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء.
ولا وقت لا حصر لأعدادها ولا الركعات الواحدة منها فإذا شرع في تطوع ولم ينو عددا فله أن يسلم من ركعة وله أن يسلم من ركعتين فصاعدا ولو صلى عددا لا يعلمه ثم سلم صح نص عليه في الإملاء ولو نوى ركعة أو عددا قليلا أو كثيرا فله ذلك ولنا وجه شاذ أنه لا يجوز أن يزيد على ثلاث عشرة بتسليمة واحدة وهو غلط ثم إذا نوى عددا فله أن يزيد وله أن ينقص فمن أحرم بركعة فله جعلها عشرا أو بعشر فله جعلها واحدة بشرط تغيير النية قبل الزيادة والنقصان فلو زاد أو نقص قبل تغير النية عمدا بطلت صلاته. مثاله نوى ركعتين فقام لثالثة بنية الزيادة جاز ولو قام قبلها عمدا بطلت صلاته وإن قام ناسيا عاد وسجد للسهو وسلم فلو بدا له في القيام أن يزيد فهل يشترط العود إلى القعود ثم يقوم منه أم له المضي وجهان أصحهما الأول ثم يسجد للسهو في آخر صلاته ولو زاد ركعتين سهوا ثم نوى إكمال أربع صلى ركعتين أخريين وما سها به لا يحسب ولو نوى أربعا ثم غير نيته وسلم عن ركعتين جاز ولو سلم قبل تغيير النية عمدا بطلت صلاته وإن سلم ساهيا أتم أربعا وسجد للسهو فلو أراد بعد السلام أن يقتصر على الركعتين سجد للسهو وسلم ثانيا فإن سلامه الأول غير محسوب. ثم إن تطوع بركعة فلا بد من التشهد وإن زاد على ركعة فله أن يقتصر على تشهد في آخر صلاته وهذا التشهد ركن وله أن يتشهد في كل ركعتين كما في الفرائض الرباعية فإن كان العدد وهل له أنيتشهد في كل ركعة قال إمام الحرمين فيه احتمال والظاهر جوازه واعلم أن تجويز التشهد في كل ركعة لم يذكره غير الإمام والغزالي وفي كلام كثير من الأصحاب ما يقتضي منعه. قلت الصحيح المختار منعه فإنه اختراع صورة في الصلاة لا عهد بها الله أعلم. وأما الاقتصار على تشهد في آخر الصلاة فلا خلاف في جوازه وأما التشهد في كل ركعتين فذكره العراقيون وغيرهم وقالوا هو الأفضل وإن جاز الاقتصار على تشهد وذكر صاحب التتمة و التهذيب وجماعة أنه لا يجوز الزيادة على تشهدين بحال. ولا يجوز أن يكون بين التشهدين أكثر من الركعتين إن كان العدد شفعا وإن كان وترا لم يجز بينهما أكثر من ركعة والمذهب جواز الزيادة كما قدمناه وحكى صاحب البيان وجها أنه لا يجلس إلا في آخر الصلاة وهو شاذ منكر ثم إن صلى بتشهد قرأ السورة في الركعات كلها وإن صلى بتشهدين فهل يقرأ فيما بعد التشهد الأول فيه القولان في الفرائض والأفضل أن يسلم من كل ركعتين سواء كان بالليل أو بالنهار ولو نوى صلاة تطوع ولم ينو ركعة ولا ركعات فهل يجوز الاقتصار على ركعة قال صاحب التتمة فيه وجهان بناء على ما لو نذر صلاة مطلقة هل يخرج عن نذره بركعة أم لا بد من ركعتين وينبغي أن يقطع بالجواز قلت إنما ذكر صاحب التتمة الوجهين في أنه هل يكره الاقتصار
وهي ضربان أحدهما راتبة تسبق الفريضة فيدخل وقتها بدخول وقت الفريضة ويبقى جوازها ما بقي وقت الفريضة ووقت اختيارها ما قبل الفريضة ولنا وجه شاذ أن سنة الصبح يبقى وقت أدائها إلى زوال الشمس الضرب الثاني الرواتب التي بعد الفريضة ويدخل وقتها بفعل الفريضة ويخرج بخروج وقتها ولنا قول شاذ أن الوتر يبقى أداء إلى أن يصلي الصبح والمشهور أنه يخرج بطلوع الفجر فرع النافلة قسمان: أحدهما غير مؤقتة وإنما تفعل لسبب عارض كصلاة الكسوفين والاستسقاء وتحية المسجد وهذا لا مدخل للقضاء فيه والثاني مؤقتة كالعيد والضحى والرواتب التابعة للفرائض وفي قضائها أقوال وأظهرها تقضى والثاني لا والثالث ما استقل كالعيد والضحى قضي وما كان تبعا كالرواتب فلا وإذا قلنا تقضى فالمشهور أنها تقضى أبدا. والثاني تقضى صلاة النهار ما لم تغرب شمسه وفائت الليل ما لم يطلع فجره فيقضي ركعتي الفجر ما دام النهار باقيا. والثالث يقضي كل تابع ما لم يصل فريضة مستقبلة فيقضي الوتر ما لم يصل الصبح ويقضي سنة الصبح ما لم يصل الظهر والباقي على هذا المثال وقيل على هذا الاعتبار بدخول وقت المستقبلة لا بفعلها. قلت يستحب عندنا فعل الرواتب في السفر كالحضر والسنة أن يضطجع بعد سنة الفجر قبل الفريضة فإن لم يفعل فصل بينهما لحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى سنة الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة رواه البخاري. والسنة أن يخفف السورة فيهما ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قولوا آمنا بالله وفي الثانية قل يا أهل الكتاب تعالوا وفي رواية أنه قرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد فكلاهما سنة ونص في البويطي على الثانية وفي سنة المغرب قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد وكذا في ركعتي الاستخارة وتحية المسجد وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار. فإن أراد أحد نصفي الليل فالنصف الثاني أفضل وإن أراد أحد أثلاثه فالأوسط وأفضل منه السدس الرابع والخامس ثبت ذلك في الصحيحين ويكره قيام الليل كله دائما وينبغي أن لا يخل ويستحب لمن قام لتهجد أن يوقظ له من يطمع بتهجده إذا لم يخف ضررا ويستحب المحافظة على الركعتين في المسجد إذا قدم من سفر للأحاديث الصحيحة في كل ذلك والله أعلم.
اعلم أن أركان الصلاة وشروطها لا تختلف بالجماعة والانفراد لكن الجماعة أفضل فالجماعة فرض عين في الجمعة وأما في غيرها من المكتوبات ففيها أوجه الأصح أنها فرض كفاية والثاني سنة والثالث فرض عين قاله من أصحابنا ابن المنذر وابن خزيمة وقيل إنه قول للشافعي رحمه الله. فإن قلنا فرض كفاية فإن امتنع أهل قرية من إقامتها قاتلهم الإمام ولم يسقط الحرج إلا إذا أقاموها بحيث يظهر هذا الشعار بينهم ففي القرية الصغيرة يكفي إقامتها في موضع وفي الكبيرة والبلاد تقام في المحال فلو أطبقوا على إقامتها في البيوت قال أبو إسحق لا يسقط الفرض وخالفه بعضهم إذا ظهرت في الأسواق وإن قلنا إنها سنة فتركوها لم يقاتلوا على الأصح. قلت قول أبي إسحق أصح ولو أقام الجماعة طائفة يسيرة من أهل البلد وأظهروها في كل البلد ولم يحضرها جمهور المقيمين بالبلد حصلت الجماعة ولا إثم على المتخلفين كما إذا صلى على وأما أهل البوادي فقال إمام الحرمين عندي فيهم نظر فيجوز أن يقال لا يتعرضون لهذا الفرض ويجوز أن يقال يتعرضون له إذا كانوا ساكنين قال ولا شك أن المسافرين لا يتعرضون لهذا الفرض وكذا إذا قل عدد ساكني قرية هذا كلام الإمام والمختار أن أهل البوادي الساكنين كأهل القرية للحديث الصحيح ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان والله أعلم. هذا حكم الرجال وأما النساء فلا تفرض عليهن الجماعة لا فرض عين ولا كفاية ولكن يستحب لهن ثم فيه وجهان: أحدهما كاستحبابها للرجال وأصحهما لا يتأكد في حقهن كتأكدها في حق الرجال فلا يكره لهن تركها ويكره تركها للرجال مع قولنا هي لهم سنة والمستحب أن تقف إمامتهن وسطهن وجماعتهن في البيوت أفضل. فإن أردن حضور المسجد مع الرجال كره للشواب دون العجائز وإمامة الرجال لهن أفضل من إمامة النساء لكن لا يجوز أن يخلو بهن غير محرم. قلت الخلاف في كون الجماعة فرض كفاية أم عين أم سنة هو في المكتوبات المؤديات أما المنذورة فلا يشرع فيها الجماعة وقد ذكره الرافعي في أثناء كلامه في باب الأذان في مسألة لا يؤذن لمنذورة وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه الصبح جماعة حين فاتتهم بالوادي وأما القضاء خلف الأداء وعكسه فجائز عندنا كما سيأتي إن شاء الله تعالى لكن الأولى الانفراد للخروج من خلاف العلماء وأما النوافل فقد سبق في باب صلاة التطوع ما يشرع فيه الجماعة منها وما لا يشرع ومعنى قولهم لا يشرع لا تستحب فلو صلى هذا النوع جماعة جاز ولا يقال مكروه فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على ذلك والله أعلم.
برفيقه أو زوجته أو ولده حاز فضيلة الجماعة لكنها في المسجد أفضل وحيث كان الجمع من المساجد أكثر فهو أفضل ولو كان بقربه مسجد قليل الجمع وبالبعد مسجد كثير الجمع فالبعيد أفضل إلا في حالتين: إحداهما أن تتعطل جماعة القريب بعدوله عنه لكونه إماما أو يحضر الناس بحضوره فالقريب أفضل. والثاني أن يكون إمام البعيد مبتدعا كالمعتزلي وغيره قال المحاملي وغيره وكذا لو كان الإمام حنفيا لأنه لا يعتقد وجوب بعض الأركان بل قال أبو اسحق الصلاة منفردا أفضل من الصلاة خلف الحنفي وهذا تفريع على صحة الصلاة خلف الحنفي ولنا وجه أن رعاية مسجد الجوار أفضل بكل حال. فرع إذا أدرك المسبوق الإمام قبل السلام أدرك فضيلة الجماعة على وقال الغزالي لا يدرك إلا بإدراك ركعة وهو شاذ ضعيف. فرع يستحب المحافظة على إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام وفيما يدركها به أوجه أصحها بأن يشهد تكبيرة الإمام ويشتغل عقبها بعقد صلاته فإن أخر لم يدركها والثاني بأن يدرك الركوع الأول. والثالث أن يدرك شيئا من القيام. والرابع أن يشغله أمر دنيوي لم يدرك بالركوع وإن منعه عذر أو سبب للصلاة كالطهارة أدرك به. قلت وذكر القاضي حسين وجها خامسا أنه يدركها ما لم يشرع الإمام في الفاتحة قال الغزالي في البسيط في الوجه الثاني والثالث هما فيمن لم يحضر إحرام الإمام فأما من حضر وأخر فقد فاتته فضيلة التكبيرة وإن أدرك الركعة والله أعلم. ولو خاف فوت هذه التكبيرة فقد قال أبو إسحق يستحب أن يسرع ليدركها والصحيح الذي قطع به الجماهير أنه لا يسرع بل يمشي بسكينة كما لو لم يخف فوتها.
من غير ترك الأبعاض والهيئات فإن رضي القوم بالتطويل وكانوا منحصرين لا يدخل فيهم غيرهم فلا بأس بالتطويل ولو طول الإمام فله أحوال منها أن يصلي في مسجد سوق أو محلة فيطول ليلحق آخرون تكثر بهم الجماعة فهذا مكروه ومنها أن يؤم في مسجد يحضره رجل شريف فيطول ليلحق الشريف فيكره أيضاً ومنها أن يحس في صلاته بمجيء رجل يريد الاقتداء به فإن كان الإمام راكعا فهل ينتظره ليدرك الركوع فيه قولان أظهرهما عند إمام الحرمين وآخرين لا ينتظره والثاني ينتظره بشرط أن لا يفحش التطويل وأن يكون المسبوق داخل المسجد حين الانتظار فإن كان خارجه لم ينتظره قطعا وبشرط أن يقصد به التقرب إلى الله تعالى فإن قصد التودد واستمالته فلا ينتظره قطعاً. وهذا معنى قولهم لا يميز بين داخل وداخل وقيل إن عرف الداخل بعينه لم ينتظره وإلا انتظره فقال معظم الأصحاب ليس القولان في استحباب الانتظار بل أحدهما يكره وأظهرهما لا يكره وقيل أحدهما يستحب. والثاني لا يستحب وقيل أحدهما يستحب والثاني يكره وقيل لا ينتظره قولا واحدا وإنما القولان في الانتظار في القيام وقيل إن لم يضر الانتظار بالمأمومين ولم يشق عليهم انتظر قطعا وإلا ففيه القولان: وحيث قلنا لا ينتظر فانتظر لم تبطل صلاته على المذهب وقيل في بطلانها قولان ولو أحس بالداخل في التشهد الأخير فهو كالركوع وإن أحس به في سائر الأركان كالقيام والسجود وغيرهما لم ينتظره على المذهب الذي قطع به الجمهور وقيل هو كالركوع وقيل القيام كالركوع دون غيره وحيث قلنا لا ينتظر ففي البطلان ما سبق. قلت المذهب أنه يستحب انتظاره في الركوع والتشهد الأخير بالشروط المذكورة ويكره في غيرهما والله أعلم.
ثم أدرك جماعة يصلونها استحب أن يعيدها معهم ولنا وجه شاذ منكر أنه يعيد الظهر والعشاء فقط ووجه يعيدهما مع المغرب ولو صلى جماعة ثم أدرك جماعة أخرى فالأصح عند جماهير الأصحاب يستحب الاعادة كالمنفرد والثاني لا فعلى هذا تكره إعادة الصبح والعصر دون غيرهما والثالث إن كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الإمام أعلم أو أورع أو الجمع أكثر أو المكان أشرف استحب الاعادة وإلا فلا والرابع يستحب إعادة ما عدا الصبح والعصر إذا استحببنا الاعادة لمن صلى منفردا أو جماعة ففي فرضه قولان ووجهان أظهر القولين وهو الجديد فرضه الأولى والقديم فرضه إحداهما لا بعينها والله تعالى يحتسب بما شاء منهما وربما قيل يحتسب بأكملهما وأحد الوجهين كلاهما فرض. والثاني إن صلى منفردا فالفرض الثانية لكمالها ثم إن فرعنا على غير الجديد نوى الفرض في المرة الثانية وإن كانت الصلاة مغربا أعادها كالمرة الأولى وإن فرعنا على الجديد فوجهان الأصح الذي قاله الأكثرون ينوي بها الفرض أيضا. والثاني اختاره إمام الحرمين ينوي الظهر والعصر ولا يتعرض للفرض فإن كانت الصلاة مغربا فالصحيح أنه يعيدها كالمرة الأولى. قلت الراجح اختيار إمام الحرمين ويستحب لمن صلى إذا رأى من يصلي تلك الفريضة وحده أن يصليها معه ليحصل له فضيلة الجماعة والله أعلم.
سواء قلنا سنة أو فرض كفاية إلا من عذر عام أو خاص فمن العام المطر ليلا كان أو نهارا ومنه الريح العاصفة في الليل دون النهار وبعض الأصحاب يقول الريح العاصفة في الليلة المظلمة وليس ذلك على سبيل اشتراط الظلمة ومنه الوحل الشديد وسيأتي في الجمعة إن شاء الله تعالى ومنه السموم وشدة الحر في الظهر فإن أقاموا الجماعة ولم يبردوا أو أبردوا أو بقي الحر الشديد فله التخلف عن الجماعة. ومنه شدة البرد سواء في الليل والنهار ومن الأعذار الخاصة المرض ولا يشترط بلوغه حدا يسقط القيام في الفريضة بل يعتبر أن يلحقه مشقة كمشقة الماشي في المطر ومنها أن يكون ممرضا ويأتي تفصيله في الجمعة إن شاء الله تعالى ومنها أن يخاف على نفسه أو ماله أو على من يلزمه الذب عنه من سلطان أو غيره ممن يظلمه أو يخاف من غريم يحبسه أو يلازمه وهو معسر فله التخلف. ويدخل في الخوف على المال ما إذا كان خبزه في التنور أو قدره على النار وليس هناك من يتعهدهما ومنها أن يكون عليه قصاص لو ظفر به المستحق لقتله وكان يرجو العفو مجانا أو على مال لو غيب وجهه أياما فله التخلف بذلك. وفي معناه حد القذف دون حد الزنا وما لا يقبل العفو واستشكل إمام الحرمين جواز التغيب لمن عليه قصاص ومنها أن يدافع أحد الأخبثين أو الريح وتكره الصلاة في هذه الحال بل يستحب أن يفرغ نفسه ثم يصلي وإن فاتت الجماعة. فلو خاف فوت الوقت فوجهان أصحهما يقدم الصلاة. والثاني الأولى أن يقضي حاجته وإن فات الوقت ثم يقضي ولنا وجه شاذ أنه إذا ضاق عليه الأمر بالمدافعة وسلبت خشوعه بطلت صلاته قاله الشيخ أبو زيد والقاضي حسين ومنها أن يكون به جوع أو عطش شديد وحضره الطعام والشراب وتاقت نفسه إليه فيبدأ بالأكل والشرب قال الأصحاب وليس المراد أن يستوفي الشبع بل يأكل لقما يكسر حدة جوعه إلا أن يكون الطعام مما يؤتى عليه مرة واحدة كالسويق واللبن فإن خاف فوت الوقت لو اشتغل فوجهان كمدافعة الأخبثين. ومنها أن يكون عاريا لا لباس له فيعذر في التخلف سواء وجد ما يستر العورة أم لا ومنها أن يريد السفر وترتحل الرفقة ومنها أن يكون ناشد ضالة يرجو الظفر إن ترك الجماعة أو وجد من غصب ماله وأراد استرداده منه ومنها أن يكون أكل بصلا أو كراثا أو نحوهما ولم يمكنه إزالة الرائحة بغسل ومعالجة فإن كان مطبوخا فلا ومنها غلبة النوم. قلت أما الثلج فإن بل الثوب فعذر وإلا فلا قال في الحاوي والزلزلة عذر والله أعلم.
|